الفيديو في اسفل الصفحة
سوق العمل وتنوعه في المغرب: واقع متجدد وآفاق واعدة
يُعد سوق العمل في المغرب مرآة تعكس الديناميكيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يعرفها البلد. فقد شهد هذا السوق تحولات عميقة خلال العقود الأخيرة، مدفوعة بمتغيرات محلية وعالمية، من قبيل العولمة، التحول الرقمي، التغيرات المناخية، ونمو الطلب الداخلي. واليوم، يتميز سوق الشغل المغربي بتنوع قطاعاته، وتفاوت خصائصه بين المناطق الحضرية والقروية، فضلاً عن تنامي فئة الشباب الباحثين عن عمل.
تنوع القطاعات الاقتصادية: من الفلاحة إلى الذكاء الاصطناعي
يتوزع سوق الشغل المغربي على عدة قطاعات متكاملة ومترابطة:
1. القطاع الفلاحي
- يمثل حوالي 32% من اليد العاملة بالمغرب، خاصة في المناطق القروية.
- يساهم بحوالي 12% في الناتج الداخلي الخام.
- يعاني من هشاشة مرتبطة بالتغيرات المناخية ونُظم الري التقليدية، لكنه يشهد تطورًا بفضل برامج مثل “الجيل الأخضر 2020-2030”.
2. القطاع الصناعي
- يشغل قرابة 22% من القوة العاملة.
- يشمل قطاعات واعدة مثل:
- صناعة السيارات: المغرب أصبح أول مُصَدِّر للسيارات في إفريقيا.
- صناعة الطيران: يُشغل أكثر من 20 ألف عامل في مصانع متخصصة.
- الصناعات الغذائية والدوائية، وهي من أكبر مجالات النمو المحلي.
3. قطاع الخدمات
- يُعد الأكبر من حيث التشغيل، إذ يستقطب 46% من اليد العاملة.
- يضم مجالات متعددة مثل:
- السياحة: عاد النشاط تدريجيًا بعد الجائحة، حيث استقبل المغرب أكثر من 14.5 مليون سائح سنة 2023.
- التجارة: تشمل التجارة التقليدية والحديثة (المراكز التجارية والأسواق الكبرى).
- الخدمات البنكية والمالية، والتعليم، والصحة.
4. القطاع الرقمي والتكنولوجي
- بدأ يعرف نموًا سريعًا مع ارتفاع عدد المقاولات الناشئة (Startups).
- بلغ عدد المقاولات النشيطة في المجال الرقمي أكثر من 1500 شركة سنة 2024.
- أصبح الذكاء الاصطناعي، البرمجة، والتسويق الرقمي من أكثر المجالات طلبًا على الكفاءات.
تحديات سوق العمل في المغرب
رغم هذا التنوع، لا يزال سوق الشغل المغربي يواجه العديد من الإكراهات:
1. ارتفاع معدل البطالة
- بلغ معدل البطالة على الصعيد الوطني حوالي 13% في 2023، حسب المندوبية السامية للتخطيط.
- تصل البطالة في صفوف الشباب المتراوحة أعمارهم بين 15 و24 سنة إلى 33%.
- تُسجل أعلى المعدلات في المناطق الحضرية، وخاصة في المدن الكبرى مثل الدار البيضاء، فاس، وطنجة.
2. ضعف التكوين المهني والتقني
- يشير العديد من الخبراء إلى وجود فجوة بين مهارات الخريجين ومتطلبات السوق.
- فقط 20% من الطلبة يتوجهون إلى مسارات التكوين المهني، رغم أهميتها في توفير فرص عمل عملية وسريعة.
3. القطاع غير المهيكل
- يُقدر عدد العاملين في الاقتصاد غير المهيكل بأكثر من 2.4 مليون شخص.
- يفتقر هؤلاء العاملون إلى التأمين الصحي، التغطية الاجتماعية، وضمانات قانونية للعمل.
4. التفاوتات الجغرافية والمجالية
- تتركز فرص الشغل في المحاور الكبرى (الدار البيضاء – الرباط – طنجة)، في حين تعاني المناطق الداخلية من ضعف الاستثمار ونقص البنيات التحتية.
مبادرات الدولة لتطوير سوق الشغل
في مواجهة هذه التحديات، أطلقت الحكومة المغربية مجموعة من السياسات والبرامج الموجهة لتحسين قابلية التشغيل، منها:
1. برامج دعم التشغيل الذاتي والمقاولات
- برنامج “فرصة” لدعم حاملي المشاريع.
- برنامج “أوراش” الذي وفر أزيد من 100 ألف فرصة عمل مؤقتة في مرحلته الأولى.
- دعم الشركات الناشئة والابتكار الرقمي من خلال تمويلات وحاضنات أعمال.
2. إصلاح التعليم والتكوين
- إدماج التكوين المهني في المسار الدراسي من الثانوي.
- تطوير شراكات بين التكوين المهني والمقاولات.
- إدراج مهارات جديدة في المناهج، مثل البرمجة واللغة الإنجليزية.
3. تحفيز الاستثمار وخلق المناطق الصناعية
- إطلاق مشاريع مثل مدينة محمد السادس الصناعية “طنجة تيك”.
- توقيع الميثاق الجديد للاستثمار لتحفيز خلق فرص شغل محلية مستدامة.
- دعم الاستثمار في الطاقات المتجددة، والاقتصاد الأخضر.
آفاق مستقبلية مشجعة
تشير التوقعات إلى أن سوق العمل المغربي قد يشهد خلال السنوات القادمة:
- تحسن في نسبة البطالة، خاصة إذا تم دعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة.
- تزايد الطلب على المهن الرقمية، والمجالات المرتبطة بالطاقات المتجددة والبيئة.
- نمو الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، بفضل إدماج النساء والشباب في مشاريع تنموية محلية.
- الانتقال إلى نموذج تنموي جديد يربط بين العدالة المجالية والنمو الاقتصادي.
خلاصة
رغم التحديات المتعددة، يُظهر سوق العمل المغربي ديناميكية واعدة، بفضل تنوع قطاعاته، وتزايد وعي الدولة والمجتمع بأهمية ملاءمة التكوين مع حاجيات السوق، ودعم المبادرات الشبابية والمقاولات الصغرى. ولكي يتحقق التقدم المنشود، يبقى الاستثمار في رأس المال البشري، وتكافؤ الفرص بين المناطق، وتحفيز الابتكار، من المفاتيح الأساسية لبناء مستقبل مهني أفضل لجميع المغاربة.