الفيديو في اسفل الصفحة
يُعتبر الطب من أكثر القطاعات أهمية في أي دولة، لما له من تأثير مباشر على جودة حياة السكان، وعلى النمو الاقتصادي والاجتماعي. وفي المغرب، يشكل النظام الصحي حجر الزاوية في خطط التنمية المستدامة، ورغم التطور الملحوظ الذي عرفه هذا القطاع خلال العقود الأخيرة، إلا أنه لا يزال يواجه تحديات هيكلية ومجتمعية.
في المقابل، فإن المجال الصحي المغربي يشهد اهتمامًا متزايدًا من قبل المستثمرين، المحليين والأجانب، نظرًا لحاجته للإصلاح والتوسع والتحديث.—أولاً: لمحة تاريخية عن الطب في المغربتعود جذور الطب في المغرب إلى العصور القديمة، حيث عرف المغاربة أنظمة الطب التقليدي، خاصة الأمازيغي والعربي والأندلسي،
وكان للعقاقير الطبيعية والعلاج بالأعشاب دور أساسي في الحياة اليومية.مع دخول الاستعمار الفرنسي والإسباني، ظهرت أولى البُنى التحتية الطبية الحديثة في المستشفيات العسكرية، تلاها تأسيس أولى الكليات الطبية والمؤسسات الصحية العامة. بعد الاستقلال سنة 1956، ركّزت الدولة المغربية على إنشاء مؤسسات صحية تعليمية، وعلى تعميم الخدمات الصحية في البوادي والمدن
.—ثانياً: الوضع الراهن للقطاع الصحي في المغرب1. المنظومة الصحية الرسميةيشرف على القطاع الصحي في المغرب وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، والتي تدير شبكة من المستشفيات العمومية، المراكز الصحية، والمراكز الاستشفائية الجامعية (CHU). كما توجد مصحات ومراكز طبية خاصة منتشرة بكثافة في المدن الكبرى
.2. التغطية الصحيةيشمل النظام الصحي المغربي عدة أنظمة للتأمين:AMO: التأمين الإجباري عن المرض (خاص بالموظفين والأجراء).RAMED: نظام المساعدة الطبية للفئات الهشة.CNOPS وCNSS: صناديق تغطية للقطاع العام والخاص.Assurance privée: تأمينات طبية خاصة.3
. البنية التحتية الطبيةالمغرب يتوفر على أكثر من 150 مستشفى عمومي، و6 مراكز استشفائية جامعية (الرباط، الدار البيضاء، مراكش، فاس، وجدة، وطنجة).توجد أكثر من 500 مصحة خاصة.عدد الأطباء لا يزال غير كافٍ، حيث يوجد طبيب واحد لكل 1700 مواطن، مقارنة بـ1/300 في أوروبا.—
ثالثاً: التحديات التي يواجهها القطاع الصحي المغربي1. نقص في الموارد البشريةهجرة الأطباء إلى أوروبا ودول الخليج.قلة التكوينات الطبية المتخصصة.تفاوت توزيع الأطباء بين المدن الكبرى والقرى
.2. ضعف البنية التحتيةاكتظاظ المستشفيات العمومية.تقادم المعدات الطبية.ضعف الخدمات الصحية في المناطق الجبلية والنائية.3
. التمويل والتسييرمحدودية الميزانية المخصصة للقطاع (أقل من 7% من الناتج المحلي).مشاكل في تدبير الموارد وصرف الأدوية.4. التفاوت الطبقي في الخدماتالخدمات الصحية الجيدة غالبًا ما ترتبط بالمصحات الخاصة.الفقراء يعانون من التأخير وسوء الخدمات
في المستشفيات العمومية.—رابعاً: دراسة الطب في المغرب1. الكليات والمعاهد الطبيةيوجد في المغرب سبع كليات للطب والصيدلة، موزعة على المدن الكبرى:كلية الطب بالرباطكلية الطب بالدار البيضاءكلية الطب بمراكشكلية الطب بفاس
كلية الطب بوجدةكلية الطب بأكاديركلية الطب بطنجةكما توجد كليات خاصة، مثل:الجامعة الدولية للرباط (UIR)الجامعة الدولية للدار البيضاء (UIC)2.
مدة الدراسةالطب العام: 7 سنواتطب الأسنان: 6 سنواتالصيدلة: 6 سنواتالتخصصات الطبية: 4 إلى 5 سنوات إضافية بعد التخرج3. شروط الولوجالمعدلات مرتفعة (معدل يفوق 16/20 في الباكالوريا).امتحان وطني لولوج الكليات.الجامعات الخاصة تطلب مقابلات وملف أكاديمي
.4. التكوين والمحتوىسنتان أوليتان نظريتان.3 سنوات من التكوين السريري في المستشفيات الجامعية.سنة سابعة هي سنة التدريب الميداني.—خامساً: فرص الاستثمار في القطاع الطبي في المغربرغم التحديات، فإن القطاع الصحي المغربي يُعدّ أرضًا خصبة للاستثمار
:1. قطاع المصحات الخاصةالطلب المتزايد على جودة الخدمة الطبية يدفع الأسر إلى المصحات الخاصة.إمكانية فتح مصحات خاصة في المدن المتوسطة والصغيرة.التعاقد مع التأمينات الصحية يزيد من جذب الزبائن
.2. صناعة الأدويةالمغرب من أكبر منتجي الأدوية في إفريقيا.أكثر من 40 مختبرًا دوائيًا محليًا.فرص كبيرة في صناعة الجنيسة (les médicaments génériques).تصدير الأدوية إلى دول الساحل وغرب إفريقيا.3. الرقمنة والخدمات الطبية عن بُعد (Télémédecine)انتشار الأنترنت والهواتف الذكية يدعم الطب عن بعد.شركات ناشئة (startups) في مجال التطبيقات الصحية.دعم الدولة لهذا النوع من الابتكار
.4. التعليم الطبي الخاصفتح كليات طبية خاصة يساهم في الحد من النقص في الأطباء.شراكات مع جامعات دولية لتطوير التكوين الطبي.استقطاب الطلبة من دول إفريقيا جنوب الصحراء.5
. مراكز الأشعة والمختبراتالطلب كبير على خدمات التشخيص والتحاليل.يمكن الاستثمار في مراكز أشعة متعددة الخدمات.التكنولوجيات المتطورة في الراديو والصحة النووية (imagerie médicale).—سادساً: دور الدولة والإصلاحات الجاريةفي السنوات الأخيرة، أطلقت الحكومة المغربية سلسلة من الإصلاحات الكبرى:مشروع تعميم الحماية الاجتماعية (2021–2025):
يهدف لتغطية صحية شاملة لكل المواطنين.إصلاح التكوين الطبي: زيادة عدد المقاعد وتوسيع الجامعات.التشجيع على الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP).تحفيز الاستثمار الأجنبي في الصحة.—
سابعاً: آفاق المستقبلمن المتوقع أن يشهد قطاع الطب المغربي تحسنًا ملحوظًا في العشر سنوات القادمة، بفضل التحول الرقمي وتزايد الإنفاق الصحي.المغرب مؤهل ليكون مركزًا صحيًا إقليميًا لإفريقيا، خاصة في ميدان الجراحة، والأشعة، والأدوية.الإصلاحات الجارية إذا استمرت بنفس الوتيرة، ستقلص الفجوة بين القطاعين العام والخاص.التكوين الطبي المستمر، ومحاربة هجرة الأطباء، وتحسين ظروف العمل سيشكلان مفاتيح نجاح مستقبل الطب في المغرب.-
–خاتمةالطب في المغرب يعكس واقعًا مركبًا: تحديات متراكمة يقابلها إرادة واضحة للإصلاح والتطوير. ورغم ما يعانيه النظام الصحي من نواقص، إلا أن بوادر التغيير الإيجابي بدأت تبرز من خلال السياسات الحكومية والانفتاح على الاستثمارات. الاستثمار في الصحة اليوم لا يُعدّ فقط رهانًا اقتصاديًا رابحًا، بل هو أيضًا التزام إنساني نحو مجتمع أكثر صحة وعدالة.